أسأله: هذا وطنك فلم تهرب منه؟
يرد علي بيقين تجذر في ذاته عبر السنين: أنا منبوذ في زوايا هذا الوطن،
وجودي مهمش، سأبحث بعيدا عنه عن شق أتنفس من خلاله الكرامة والحرية.
نستيقظ كل صباح على هم جديد يطوقنا ويقتل فينا ما تبقى من آمال وأحلام
سكنتنا ونحن بعد صغار، نعتنق التفاؤل حتى نستمتع بالحياة في حضن هذا
الوطن، حتى لا يموت حبه في قلوبنا.
لكنهم قالوا لنا ذات كذب: أن هذا الوطن الذي تنفسنا هواءه لحظة ولادتنا،
وارتوينا بمائه، وكبرنا في أزقته وشوارعه ليس لنا فلنبحث لنا عن وطن آخر
يحترم آدميتنا ويصون كرامتنا ويضمن لنا العيش....
هربنا منك...هجرناك...ركبنا قوارب الموت لنبتعد عنك...عن المآسي التي
عشناها فيك... حتى الشيخ العجوز طحنته دوامة الحياة وأصبح يتمنى الهروب من
هذا البلد بعد أن أهلكته فواتير الماء والكهرباء وغلاء الأسعار مع ثبات
الرواتب وهزالتها.
لقد قررنا الهروب منك والتنكر لسمائك وأرضك...
نحن نكرهك ونحبك.. نلعنك ونحن إليك.. نهرب منك لنعود إليك.. نتهمك وندافع عنك..
كيف نتخلص منك.. من تغلغلك فينا..ومن سريانك في دمنا.
ننتقد هذا الوطن ونجرحه.. نتكالب عليه ونخجل من انتمائنا إليه.
مسكين أيها الوطن، فلو كان لك لسان لنطقت بخيبتك من أبنائك الذين ترعرعوا
بين أحضانك، فالكبار ينهبونك ويستغلون خيراتك، والصغار يفرون منك ولا
يحاربون من أجلك.